هل تشهد الساحة السياسيّة في تونس حاليّا حراكا صحيّا يعبّرعن إنتعاشة ديمقراطيّة حقيقيّة أم أن ما » ينتج « على الساحة العامّة لا يعدو أن يكون مجرّد » فورات « عابرة سرعان ما تنطفؤ ؟ و هل ما نسجله من دينامكيّة داخليّة يدلّ على أنّ التاريخ الصامت ولّى من غير رجعة ليداهمنا تاريخ الزمن الحاضر بألغازه و يداعبنا بأسراره ؟ وهل ستؤسس الثورة التونسيّة لتقاليد ديمقراطيّة ترسخ لإحترام مبادئ التعدديّة و بالتالي تحريك الرّاكد و تغيير السائد ؟
كلّ هذه أسئلة تخامر ذهن المتابع للمسار الإنتقاليّ في البلاد منذ الإطاحة برأس الإستبداد يوم 14 جانفي2011 ، لذلك رأينا حالات تعبأة شعبيّة ترجمت ميدانيّا بإعتصام» القصبة «1 ثمّ» القصبة «2 للمطالبة بالإصلاح السياسي و تنقية المنظومة الإداريّة من ظواهر الفساد والرشوى ، الأمر الذي أدى إلى تشكيل لجنة من القانونيين تحت إسم» لجنة الإصلاح السياسيّ « والتي ستسمّى لاحقا» بالمجلس الوطنيّ لحماية الثورة« الذي عني بعمليّة تأمين الإنتقال الديمقراطيّ إلى حين إعلان موعد إنتخابيّ . ثمّ تكوّنت» لجنة تقصي الحقائق حول ظواهر الفساد والرشوى «و بعد فترة قصيرة إرتفعت الأصوات المنادية بمجلس وطنيّ تأسيسيّ تكون وظيفته الأساسيّة سنّ دستور جديد، ليكون إعلانا عن إنتهاء الفترة الإنتقاليّة و إيذانا بدخول حقبة الجمهوريّة الثانيّة.
إنتلاقا من ما تقدّم، يمكننا القول أن التحويرات التي أدخلت على منهجيّة الحكم جاءت تعبيرا عن تفاعل الطبقة السياسيّة مع المطالب الشعبية المنادية ببناء دولة القانون و المؤسسات . لكن بعض القررات الأخيرة تجعنا نعيد التأمل في مفهوم الدولة المراد بناؤها. فهل يريدون إعادة إحياء نموذج الدولة التقليديّة-القروسطيّة مع إدخال بعض التّحويرات ؟ أم هل يرغبون إعادة إستهلاك الماضي الكلياني-الأوتورتاري بحجة المصالح الإقتصاديّة ؟ أم أن المبتغى يتمثل في إرساء دولة حداثيّة تكون متأصّلة في فلسفة حقوق الإنسان وقيمها الكونيّة وتستمدّ مشروعيّتها من الشعب الذي يتولّى في إطار هذه المبادئ انتخاب مؤسسات الحكم بشكل دوري ؟
في حدود الإعتبارات المتقدّمة، يمكن لنا القول إن القيمة الفلسفيّة للحريّة تبقى متحركتا على إختلاف السياقات الزمكانيّة، حيث أن مصير المفهوم مرتبط بالوعي الجماعي الذي يتشكّل من خلال الممارسات اليوميّة، الذهنيّة و الثقافيّة. فالحريّة مهدّدت بالتراجع إذا لم تجد حرّاسا أشاوس يدفعون عنها الأخطار الدّاهمة من هنا و هناك. لذلك فإن اليقظة المستمرة لا بدّ منها، ثمّ إن مشاكل الحريّة مرتبطة بالظروف الآنية المتسمة بالتشرذم وعدم وضوح المسارات المحدّدت للتوجهات الإستراتجيّة المقبلة .وفي هذا السياق، وجب التذكير بأن مثل هذا الإستقطاب الحضاري و الذهني يكون عاديّا أثناء مراحل التحولات العميقة، إلّا أن الوقت قد يلعب دور الضاغط الكبير في عالم معوّلم تحتل فيه الدقائق و الثواني دورا هاما في حسم العديد من الخيارات السياسيّة و الإقتصاديّة.
لذلك وجبت الإشارة إلى ضرورة الإسراع في إخراج البلاد من هذا الواقع الإنتقالي من خلال الإنتهاء من كتابة الدستور الذي سيدشن لدخول شعبنا معترك فترة تاريخيّة جديدة تساهم في الدفع بكلّ الطاقات الوطنيّة إلى الأمام وبالتالي النطق بالإعلان الرسمي عن الخروج من غياهب العبث لمواجهة مقتضيات الواقع السياسيّة، الإقتصاديّة، والثقافيّة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire