dimanche 5 août 2012

في ثقافة الإختلاف




متى يمكن أن نتقبل ثقافة الإختلاف ؟ و متى ننتهي من ثقافة الفكر الواحد و الرأي الأوحد المعصوم التي سيطرت على اللّاوعيّ الجماعيّ التونسيّ طوال عقود من الزمن ؟
لقد مثلت الثورة التونسيّة قطيعة إبستيميّة عميقة مع الذهنيّة المتوارثة لتعكس روحا رافضة لكل ما هو سائد و معهود و لتعبّر عن ولادة ثقافة المواطنة الفاعلة، لذلك يمكن لنا القول أن ما عبّر عنه الطيف السّاحق من المجتمع التونسيّ مثّل تمرّدا ثقافيّا على الأوضاع الإجتماعيّة و الإقتصاديّة وعلى مجموع القيم السياسيّة التي كانت مخيّمة على الفضاء العام والتي كانت تفرض نفسها بقسوة على جيل من الشباب معاد للدغمائيّة و ميّال لمناقشة كلّ الأفكار الطوباويّة و إخضاعها للتحليل من منطلق الشعور بحق الفرد في قبول أو دحض ما يتلاءم أو ما يتعارض مع حرّيته الشخصيّة التي تتطلّب حق الإختيار. و قد حملت هذه الأجيال الصاعدة أوليّة هذا التمرّد لتبلغ حدّة التّعبير أوجها يوم 14 جانفي 2011 حين إنطلقت الأصوات بشعرات قاطعة مع طريقة الحكم القائم و مع السّلطات المتحكّمة في الخيارات المجتمعيّة و للمطالبة بالديمقراطيّة و بالحريّة. بل إن الحراك الإحتجاجيّ إمتدّ إلى أساليب السّلوك و أنماط القيم و أنساق العلاقات الإجتماعيّة السائدة لتظهر إتجهات جديدة في الفنّ كموسيقى  RAP التي عبّرت عن مشاعر الشكّ و الغضب و الحيرة و الألم و الأسى المختطة ببعض أحاسيس الأمل التي كانت تتزاحم في النّفوس. و بالرّغم من كلّ ما قد يقال عن ثقافة الإختلاف من أنها ضرب لمبدإ الإجماع الذي يعتبر القيمة الأسمى بالنسبة لعدد من المدارس الفكريّة التي تعمل جاهدة على إحتواء الفكر التعدّديّ والتّشكيك في مراميه و أهدافه، بل و العمل على إخماده و القضاء عليه تماما إذا ما أمكن تصوير حريّة الرأّي على أّنها تهديد للإستقرار الإجتماعيّ، فإن هناك من الأّدبيات الفكريّة من يرى في فلسفة الإختلاف قوّة دافعة إلى الأمام. فثقافة الإختلاف لا تنحصر في الدّعوة إلى التّحرّر، و إنما هي رؤية للحياة تعلي من شأن الفرد و تجذر فيه كيانا متنوّرا يساعده على مواجهة الغد بكلّ تعقيداته، ليكون الإختلاف و التّعدّد علامة مؤشرة على الرّغبة في التّغيير الذي يؤدي إلى التّقدّم و التّخلّص من كلّ القيود المعرقلة لنماء و تكوّن مجتمع تشاركيّ مبنيّ على دعائم إحترام الرّأي و الرّأي الأخر.   




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire